الراية المنكّسة!

قوس قزح..الراية المنكّسة!


دمشق
صحيفة تشرين
رأي
السبت 8 آب 2009
زيد قطريب
مات علي الجندي قرب شاطىء البحر، لكن بلا أشرعة أو زوارق أو حتى مرساة تهدّىء من ولعه الدائم بمحاولة البحث والإبحار، وكأنّ صاحب الراية المنكّسة، كان يستشرف بشكل ما، تلك النهايات التراجيدية التي دفعته في وقت سابق لأن يختار المنفى هرباً مما كان يسميه التلوث في الشوارع وحياة الناس وحتى نسمة الهواء..!

مات علي الجندي قرب البحر تماماً، رغم أن الصحراء لم تفارقه لحظة واحدة.. وكأنه كان يحملها على ذراعيه مختصراً مقولة صديقه الماغوط حول الطفلة التي تركت دميتها في البحر بينما ظلت أصابعها في الصحراء.. في قدرية غريبة جعلته ينحاز دائماً إلى التمرّد والانزياح والانعطاف، حتى على صعيد التسميات التي عشقها إلى حدود النسف واقتراف الجدّة والاغتيال.. هكذا كان على (أبي لهب) أن يهوي كساريةٍ عاليةٍ ظلت إلى أمد قريب، تنتصب وحيدةً بين حطام السفن والحقائب مجهولة المصدر.. حتى إن مساحات الزرقة التي يوزعها الموج المفترض على المراكب والبحارة الغرباء، لم تكن بالنسبة إليه سوى قصاصات ورق تتناثر بجنائزية فوق حقول محروقة لم يرَ عليٌّ فيها إلا اليباس..!. ‏

مات علي الجندي.. وحيداً، أعزل، وموحشاً.. حتى بالنسبة للمؤسسات الثقافية الرسمية المغرمة كثيراً بمهرجانات الدبكة والأزياء الشعبية وسياحة الخمس نجوم..! فقد انتقل موضوع طباعة آثاره الكاملة أو تكريمه كرائد من رواد الكتابة الجديدة، الذي أُعلن كمشروع منذ عدة سنوات، إلى حالة الموت السّريري، هو الآخر منذ اللحظة الأولى، وفي ذلك كان هناك شيء من الخصوصية النادرة التي امتاز بها علي في شعره وحياته وراياته (المنكسة) على حدّ سواء!. ‏

مات علي الجندي، وهو يحلم بامرأة من ضوء كان يبشر بها مع صديقه فايز خضور: (امرأة تصادق أغانينا، وتشعلنا إلى آخر الأغصان والثمار والشموس والوهج).. لكن الوقت تأخر كثيراً.. وهاهو علي الجندي ينزل آخر راياته.. ويمضي