zkatreeb
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رحل زوربا الشعر العربي..علي الجندي نكّس الراية الأخيرة.. وانحاز للغياب!

اذهب الى الأسفل

رحل زوربا الشعر العربي..علي الجندي نكّس الراية الأخيرة.. وانحاز للغياب! Empty رحل زوربا الشعر العربي..علي الجندي نكّس الراية الأخيرة.. وانحاز للغياب!

مُساهمة  Admin الأربعاء نوفمبر 04, 2009 5:44 am

رحل زوربا الشعر العربي..علي الجندي نكّس الراية الأخيرة.. وانحاز للغياب!


دمشق
صحيفة تشرين
ملف تشرين الثقافي
الاثنين 10 آب 2009
زيد قطريب
رحيل علي الجندي يبدو قاسياً وثقيلاً بحجم شراسته وتمرده وانزياحاته ونزوعه إلى شقّ عصا الطاعة على كل تقليد واعتياد..

فالشاعر الثمانينيّ الذي لم تنل منه السنون أبداً، رغم آثارها الكثيرة على وجهه وجسده ووقع خطاه، استطاع أن يكون متفرداً وذا خصوصية نادرة في تجربته وطقوسه وإصراره على التغريد خارج السرب، وربما برحيل (أبي لهب) تُطوى مرحلة كاملة من الكتابة والمفاهيم بجميع نجاحاتها وخيباتها، وأيضاً أحلامها وانكساراتها ومحاولات تقدمها إلى الأمام..!. ‏

الآن، ستهرع وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب إلى التنافس في إصدار كلمات النعي والرثاء لشاعر ظل مهملاً طيلة سنوات كثيرة في منفاه الاختياري دون أن يتذكره أحد!.. حتى إن وعد وزير الثقافة منذ عدة سنوات، بطباعة آثاره الكاملة وتكريمه كرائد من مؤسسي الكتابة الجديدة، لم يُنفذ هو الآخر، ليقتصر دور المؤسسات الثقافية الرسمية كما درجت العادة على التعبير عن الحزن وتقديم واجبات العزاء!. والمفارقة التي تدعو إلى الحزن هنا، أن العديدين تفاجؤوا عند سماعهم نبأ رحيل علي الجندي، إذ اعتقدوه قد فارق الحياة منذ سنوات؟!.



لم يكن أبو لهب رجل أضواء ولقاءات ومهرجانات، فما يذكر عنه في هذا الإطار يؤكد نزوعه إلى الابتعاد والتأمل بشاعرية تحسب له على كل حال، ففي عام 2007 وبمبادرة من جمعية أصدقاء سلمية تم تكريم الشاعر في مسقط رأسه بحضور حشد كبير من محبيه وأصدقائه ومتابعي تجربته الشعرية، وكان حضور الشاعر حفل التكريم هذا بمثابة حفل وداع أو زيارة أخيرة لمدينته التي اشتهرت بتصدير الشعراء في بواكير أعمارهم، ومن ثم إعادة استقبالهم في نعوش عندما يرحلون بعد تجربة وترحال لا يخلو من المعاناة والإثارة وترك البصمة المميزة على أكثر من صعيد. ‏

افتتح علي الجندي إصداراته الشعرية بمجموعة (الراية المنكّسة) عام 1962 التي يعدها النقاد بمثابة استشراف لهزيمة عام 1967، ورغم أن الشاعر لا يوليها الكثير من الاهتمام، إلا أنه نادراً ما يورد اسمه غير مقرون بها.. هكذا بدأ علي الجندي بشيء من الرؤيا المتفردة والخصوصية النادرة مسيرته الشعرية، فنشر في دمشق وبيروت مجموعاته الأولى كما عمل في مجال الصحافة الثقافية وكان على علاقة مع مجلة (شعر)، وهو في كل ذلك كان يبني بكل ثقة مملكة سوف تثير الأسئلة والدهشة سواء فيما يتعلق بحياته أو تصاعدية شعره ونزوعه الدائم إلى الاختلاف..!. ‏

علي، أو زوربا الشعر العربي، كما يسميه الأصدقاء، كان على علاقة وثيقة مع المرأة الأنثى والأم، فإذ بالعالم يتجسد بامرأة يعول عليها الشاعر في تغيير طبيعة الأشياء: (هي النعمة والحب الذي يمنح قصيدتي ألوان الخصب وشكل الخلق الكامل، وكيف أجد خلاصي إلا بامرأة... ‏

كانت المرأة منذ طفولتي نعمة، وكنت أحاول بها ومعها تخطي قسوة الأب، وكنت أنهل من بين يديها كل رائحة الشفافية والمتعة، وكانت قصائدي تمتلئ حياة ورغبة). ‏

في مجلة (شعر) ببيروت، نشر علي الجندي كل قصائد ديوانه (في البدء كان الصمت) ورغم أنه كان على صداقة مع الجميع فيها، إلا أنه لم يصبح واحداً منهم وكان عليه أن يختط طريقه الخاص مستفيداً من خزان غني حمله من طفولته الأولى في سلمية ربما كان له الأثر الأهم في صياغة تجربته اللاحقة وحسم مسارها بشكل عام.. هناك في بيت منعزل كان علي الجندي غالباً ما ينشغل بالطبيعة فيغرق في التقاط التفاصيل النادرة التي ظل يحتفظ بها حتى آخر أيامه: (في طفولتي كانت أسرتي تعيش في بيت منعزل عن الضعية، وكنت كثير الحركة، أبحث دائماً عن شيء ألهو به في هذه العزلة، أتتبع أعشاش العصافير، أركض خلف السحالي وأستمع إلى زمزمة النحل. وكان أكثر ما يفتنني صوت الحليب عندما يتدفق من ثدي البقرة.. بقرتي الوحيدة التي كنت أرعاها حافياً.. حتى الآن مازلت أذكر ذلك الصوت السحري، عندما أقطف ورقة تين وأكورها على شكل كأس تحت الثدي ثم أحلب الحلمة: بش بش.. كنت أحس بكل طمأنينة العالم وكل هذا الارتواء. ومن يومها وأنا أحاول أن أنسق بين هذا الصوت الدافئ وبين موسيقا الشعر الذي افتتحت حياتي بها). ‏

تحضر الأسطورة والفلسفة بشكل كبير في قصائد علي الجندي وكلماته، وذلك مرده إلى ثقافته ودراسته الأكاديمية، وفي عودة أخرى للمرأة، فقد سماها الموسيقا التي ساهمت بصياغته ورعايته وحثه دائما على الاستمرار، المرأة الأنثى حاضرة بقوة عند علي الجندي، وهي الملجأ والأمر والنعمة التي ما بعدها نعمة: (موسيقا كعب حذاء نسائي يخطر خلفي على الرصيف، كأصابع فنان تعزف فوق مفاتيح البيانو.. في تلك اللحظة تتفتح مصاريع ذكرياتي وأشعر بالحنين لكل هذا العدد من الحسناوات اللواتي سأغادرهن يوماً.. ولكن، آه يا ولعي المجنون بالحياة، أقفر الساح وعربد الأصيل..!). ‏

منذ سنوات طويلة اختار علي الجندي أن يذهب بعيداً، فغاب فيما سماه منفاه الاختياري في اللاذقية، حيث نادراً ما كان يطل على وسائل الإعلام أو سواها من اللقاءات العامة في المهرجانات مع الشعراء أو الجمهور.. وربما يعود ذلك إلى شيء من الوحشة التي ظلت عصية على الترويض في داخله إضافة إلى شراسته وشعوره الدائم بالتمرد ومقارعة الأشياء.. هكذا غادر علي الجندي دمشق المكتظة والممتلئة بالزحام والناس والسيارات باتجاه البحر الذي للأسف لم يسعفه هو الآخر بزرقته فكان كمن يحاول الهروب إلى الأمام لكن دون جدوى.. (تعلقت بالحياة منذ ما بعد الطفولة، ورحت أداوم على حبها والتشبث بأذيالها، لكني كنت اشعر دائماً وكأنني واقع في هوة، أحاول القفز حتى يكاد الخلاص يكون قريبا، وأكتشف أنني اقفز في مكاني، هربت من السلمية، وكان ظل يلاحقني، وعندما ظهر الظل مرة أخرى في دمشق، هربت من جديد، وقلت أداري عن الخلق منظر حزني واختناقي)!. ‏

حياة علي الجندي مليئة بالإثارة، فقد دأب على إيقادها كلما أحس أنها أصيبت بالملل أو الإعادة والتكرار، وهو في كل ذلك لا يراهن سوى على الحرية، تلك الحرية نفسها التي رافقته في طفولته الأولى عندما كان يجري خلف السحالي وأعشاش العصافير، بقيت تنبض في داخله لكن على نحو مختلف: (لم أكن اخطط لشيء كنت لا أريد سوى أن أكون حراً، اكتب بحرية، وأنشد بحرية متلهياً عن الدروس والواجبات والآخرين، كان إيماني أن اكتب لأني أحب ولأني أعيش، فإذا بي أجد نفسي على الطريق الذي مشيت عليه طوال حياتي، كان يخطر على بالي أحيانا أن أكون صحفياً أو ممثلاً، ولكني فشلت إلا أن أكون شاعراً. وقد حدث مرة إني ذهبت لأجرب التمثيل، لكن النتيجة كانت بأني كتبت قصيدة!.). ‏

الآن، يعود جثمان علي الجندي إلى مسقط رأسه، المكان الذي غادره في بداية حياته، هرباً من (ظلّ) قال إنه طارده أيضاً إلى دمشق.. يعود علي الجندي ليستقر جوار صديقه الماغوط.. في ذات المدينة التي كان عليها دائماً أن تصدّر الشعراء الحالمين، ثم تعيد استقبالهم جثامين ساكنة هادئة.. ورايات

منكّسة!. ‏

Admin
Admin

عدد المساهمات : 142
تاريخ التسجيل : 17/05/2008

https://zkatreeb.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى