إسعاف ثقافي!

إسعاف ثقافي!


دمشق
صحيفة تشرين
رأي
السبت 31 كانون الثاني 2009
زيد قطريب
الحديث عن مآزق الثقافة واختناقاتها، يشبه إلى حد بعيد عناوين الصحف التي تتكرّر منذ عشرات السنين، فبين (المطرقة والسندان) وداخل (عنق الزجاجة).

مازالت مصطلحاتنا تجلس مطمئنة دون أن يدري أحد ممّ هي مصنوعة تلك المطرقة أو ذلك السندان حتى تطلّب الأمر كل هذا الوقت الطويل من الهرس والضرب على الرأس دون فائدة على الإطلاق.. وهل إن عنق الزجاجة تلك، يمتد آلاف الكيلومترات حتى طال سيران مآزقنا في رقبتها حتى الآن؟. ‏

ولكي لا أُتّهم أنني أضع (الحصان قبل العربة) على طريقة العناوين إياها، سأقول سلفاً إننا نعيش أزمة مصطلح ولغة وخيال بامتياز، ولو أن واحداً تجرأ على ردم البئر فوق رأس الزير من ساعتها، لما أصبح صاحبنا مثلاً منذ مئات السنين، مثله مثل الطاسة التي ضاعت يوماً ومازلنا نبحث عنها في مروياتنا وأحاديثنا، مع أن الدلائل جميعها تشير إلى أنه لا وجود لطاسة من الأساس!.. ‏

نعم إننا نعيش مشكلة خيال أيها السادة، وإن لم تصدقوا إقرؤوا كيف نفرّغ في عناويننا وصورنا جميع المشاهد من محتواها ونظن في الوقت نفسه أننا نمتدحها أو نُعلي من شأنها دون أدنى شك.. انصتوا لآلاف أبيات الشعر والقصائد العمودية كيف لم تستطع تجاوز بيت المتنبي الشهير (الخيل والليل والبيداء تعرفني).. فهي تتحدث عما يجري الآن مثلما كان يفعل العرب أثناء البسوس أو داحس والغبراء مع فارق بسيط في أحرف العلّة والتشبيه والجمل التي لا محل لها من الإعراب..! ‏

إننا نعيش أزمة خيال أيها الناس.. فالجيل القديم مشغول بحمل جثث الأجداد فوق رأسه، أما النشء الحديث فيبدو مثل الرأس المقطوع تماماً، وكأن قدرية غريبة تجبرنا بأن نختار بين مقابر الماضي أو الهيام بدون انتماء هكذا في العراء..! ‏

ولأن الثقافة هي مربط الفرس والحصن الأخير كما يؤكد الجميع، تستطيع أن تجد لديها كل شيء، ابتداءً بالعديد من أفراد الجيل القديم الذين لم يقدموا شيئاً فراحوا يطلقون النار على الأبناء بهدف أن يصبح الجميع (في الهوا سوا)، وصولاً إلى الأبناء العاقين الذين يؤمنون بمشروعية الاغتيال في الإبداع.. وإن لم تصدقوا، اسألوا عنق الزجاجة الذي تحدثنا عنه أعلاه.. العنق الذي يمتدّ آلاف الكيلومترات!. ‏

‏

mailto:zkatreeb@yahoo.com‏

‏