مديح الوحشة !

قوس قزح.. مديح الوحشة !


دمشق
صحيفة تشرين
رأي
السبت 18 نيسان 2009
زيد قطريب
بعد أن بات (فريدي) في خبر كان.. وتحول مطعم الريّس إلى ذكرى للتحسّر على الماضي ورثاء أيام زمان.. بعد أن أُصيبت أماكن الثقافة بهستيريا (الهاي لايف)، وتحول معظمها إلى محلات ألبسة أو شاورما أو صيدليات..

كان على المثقفين أن يبحثوا عن رصيف مختلف يحتسون فوقه البيرة المكسيكية ويقرؤون أشعار رامبو أو بودلير.. كان عليهم أن يجدوا ولو عربة فول نائية أو بسطة ساندويش... بعد أن أصبح (البخشيش) أغلى من فنجان القهوة السادة، وزجاجة الماء قفزت إلى سعر دعوة العشاء.. كان على المثقفين أن يفترشوا كلماتهم في الشوارع مثل مكتبات الرصيف.. ويتحدثوا عن مقهى (الشرفة) أو (أبو شفيق) كأنهم يصفون الفردوس المفقود..!. ‏

بعد أن تبدّل كل شيء تقريباً، وأصبح هناك جيل لا يعرف إلا الوجبات السريعة والتواصل عبر البريد الألكتروني و(الفيس بوك).. بعد أن صرع (الكيبورد) جميع أقلام (البيك) و(الريم) والرصاص.. بعد أن احتلت رسائل الـ sms مكان العناق والاطمئنان على الأصدقاء وجهاً لوجه.. بعد أن استولت محركات البحث على المفكرات الشخصية ودخلت غرف السفرة والنوم والصالون.. بعد أن صرنا نكتفي بالضغط على زر (الكونترول) بدل الذهاب إلى المقهى.. ونرضى (بالشات) عوضاً عن طرق باب البيت من أجل مفاجأة الأحبة والأصدقاء.. بعد أن أصبحت طقوس الكتابة من كلاسيكيات القرن الماضي.. و(القطش واللحش) من صفات الحداثة ومواكبة تقنيات التطور والظروف.. بعد أن تبدل المشهد وبتنا نجلس في جزر معزولة لا تتواصل سوى بالنيّات وعبر الأثير.. كان على المثقفين أن يبحثوا عن شجرة في حديقة أو موقف باص.. عن زاوية أو عمود كهرباء، أو جدار يعلقون عليه مرثياتهم ثم يتعانقون كأنهم لم يلتقوا منذ عشرات السنين..!. ‏

بعد أن تحولت مقاهي الثقافة إلى عصر الخمس نجوم، يحلم المثقفون بمكان لا تصل إليه سيارات المستثمرين أو عربات سوق الهال.. كي يسترجعوا دفاتر مذكراتهم ويتنهدوا.. عالبال..!. ‏

‏